الملتقى الفلسطيني
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الملتقى الفلسطيني

فلســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــطين
 
الرئيسيةالرئيسية  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخولدخول  

 

 عــم سليمــان

اذهب الى الأسفل 
3 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
زهرة فلسطين
مشرفه منتديات الاسره
مشرفه منتديات الاسره
زهرة فلسطين


ذكر عدد الرسائل : 344
العمر : 49
البلد : فلسطين
المزاج : فلسطين
تاريخ التسجيل : 30/12/2007

عــم سليمــان Empty
مُساهمةموضوع: عــم سليمــان   عــم سليمــان I_icon_minitimeالأحد فبراير 10, 2008 3:23 pm


كلما مررت عليه في طريقي وجدته أول من فتح أبواب دكانه حتى في الأيام الباردة التي يحتمي كلا منا بمعطفه وكوفيته وقفازاته الصوفية ولا يود مغادرة دفء الفراش, أجده لا يرتدي سوى جلبابه الرمادي في لون أسفلت الطريق وطاقيته الصوفية الرمادية كلون غيوم السماء وقد امسك بمقشته يكنس بها داخل ثم خارج الدكان في نشاط يحسد عليه.. كان هذا هو عم سليمان.. صاحب دكان الفراشة الصغير ذلك الرجل الذي تجاوز الستين وربما أكثر.. فلم اسأله أبدا عن عمره لأني لم انتبه إليه في زحام الحياة إلا من حادث عابر
*******
كنت يومها كعادتي أسير بعجلة لألحق بأتوبيس العمل.. وكعادتي أيضا كنت متأخرا وكان هو ينظف أمام الدكان وفي نفس لحظة مروري أمامه كان يضع ممسحته وجردل المياه.. ارتطمت به وأغرقت المياه ملابسي, ثارت ثائرة نفسي وهممت بأن ألعن الجردل بالمياه بالدكان بصاحبه.. غير أن نظرة واحدة في وجهه جعلتني ابتلع لساني.. وجهه الطيب وابتسامته العطوف طله إليه امتصت حنقي وغضبي وجعلتني اصمت أمامه كالصنم
اعتذر لي في رقة وأدخلني دكانه وأصر أن ينظف ملابسي بنفسه فرفضت وابتسم فابتسمت.. ومن وقتها عرفت من يكون عم سليمان الطيب البسيط الهادئ صاحب الجلباب الرمادي في لون أسفلت الطريق والطاقية الصوفية كلون غيوم السماء والتي لا تفارقه صيفا ولا شتاءا.. وصارت عادتي أن أجيئه كل يوم في طريق عودتي لأجلس معه في دكانه الصغير
كان حديثه متدفقا خاليا من الهموم.. حديث يشعرك بالرضى الكامل فعندما سألته يوما عن حال دكانه ابتسم قائلا: الحمد لله الحال عال العال وحينما لاحظت قلة الزبائن أو انعدامهم تقريبا أجابني قائلا بنفس الابتسامة: يا ابني ياما الواحد كسب زمان هاناخد زمنا وزمن غيرنا
وإذا شكوت له سوء الزمان وقلة الرزق.. يرد وهو يربت على كتفي برفق: يا ابني ربنا موجود واجري جري الوحوش غير رزقك لم تحوش
*******
هكذا كان عم سليمان
وأصبح دكان الفراشة الصغير في نهاية الشارع مقاما لي أغدو إليه وأنا عائد من عملي وفي الأمسيات التي أضيق فيها بالدنيا وتضيق بي الدنيا
كنا نصنع القهوة على موقد صغير ثم نجلس نتحدث في أشياء بلا رابط وبعدها يسرح كلانا في ملكوته, أنا في عملي ومشاغلي ومشاكلي.. وهو.. هو كنت لا ادري فيما يفكر ويشرد طوال الوقت بتلك النظرة الثابتة في السجادة القديمة التي أمامه يحيك ما أفسده الزمن
كنت ادقق النظر في وجهه فأجده مبتسما برضا وراضيا بحزن.. فأتعجب ولا اعرف كيف؟
وأنشغل عن نفسي به وأتسائل: ترى ماذا يشغل رجل مثله قد صفى حسابه مع الحياة ورضي بنصيبه منها وأعطاه الله الصحة فلم يحتج لأحد ووهبه الذرية لتكن له ذكرى.. فأحتار ولا أجد إجابة
وكنت أخشى سؤاله, أخشى أن أعكر ذلك الصفو واعبث بذلك الرضا وألوث الابتسامة الهادئة العطوف التي طالما ذكرتني بجدي رحمه الله عندما كنت صغيرا يحملني ويجلسني فوق رجليه ويداعبني ويخرج لي الحلوى من حيث لا ادري وهو يبتسم بوجهه الطيب ذات الابتسامة الهادئة العطوف
*******
و غبت أسبوع عن مدينتي وعندما عدت مررت بالدكان الصغير وقد ملاني شوق حبيب فوجدته مغلقا وطننت أن عم سليمان أخيرا اقتنع بكلامي وأعطى لنفسه أجازة, لكن أجازته طالت يومين آخرين فتملكني القلق وسألت عن بيته أصحاب الدكاكين المجاورة فدلوني عليه
حاملا معي بعض الفاكهة واقفا أمام الباب متخيلا بيت الرجل البسيط, الهادئ صاحب الجلباب الرمادي في لون أسفلت الطريق والطاقية الصوفية كغيوم السماء.. طرقت الباب وانتظرت طويلا حتى ظهر وجهه فجزعت
كان نحيلا نحولا شديدا, شاحب الوجه اصفر اللون على غير عادته.. رحب بي وأدخلني حجرة صغيرة بها دولاب قديم وسرير نحاسي تغير لونه وزال عنه بريقه وشارك صاحبه الشحوب وكنبه استانبولي كان يجر قدميه جرا في خطوات بطيئة.. فوددت لو حملته وانتابني حزن قاتم
قبل أن أسأله شيئا أغرقني هو في حديثه.. كانت ردودي قصيرة باهتة.. وكانت كلماته متحشرجة
انه مريض.. وأكثر من ذلك انه لا يحب أن يظهر ذلك جلست بجواره ووضعت يدي على جبهته وأبعدتها ملسوعا بحرارته.. ودون كلمة أحضرت الطبيب
كان يعاني من حمى شديدة لأيام راقدا في فراشه لم يذق إلا الفتات متحملا في صمت
لازمتُه ليومين لا أفارقه حتى هدأت الحمى فصرت أعوده كل يوم, أجهز له الطعام ثم أطعمه بيدي واحضر له الماء ليتوضأ ثم السجادة ليصلي جالسا واشتري له الدواء ثم اسقيه له ليشفى وكنت سعيدا
كان يربت على كتفي وبعينه امتنان وعلى شفتيه ابتسامته الهادئة العطوف ولسانه يتحرك بالدعاء
زاره في مرضه أصحاب الدكاكين المجاورة له ورأيت حبهم في عينيه وحبه في أعينهم وسعادته في ابتسامته الراضية التي تغالب الحزن
ولما تماثل للشفاء وعدنا إلى مجلسنا القديم في الدكان وجدت الشجاعة لأسأله أول مرة عن أولاده فنادرا ما يتكلم عنهم ورأيت الابتسامة الراضية تسقط من فوق شفتيه ولا يبقى غير الحزن.. قال وهو لا يزال يحيك السجادة القديمة دون أن يرفع عينيه: مشاغل الدنيا وخداهم كل واحد عنده كوم لحم ربنا يعينهم عليهم ويقويهم علي مشاكلهم وهمهم
..و لم يزد ولم أزد
*******
لكن الفضول تملكني في معرفة المزيد وتجرأت فسألت من حوله وعلمت أن أولاده الثلاثة قد احترف كلا منهم صنعة يزاولها وأنهم باعدوا في البدء الزيارات ثم انقطعوا تماما بحجج المشاغل والحياة وانقطع هو عنهم بكبرياء الأب الذي لا يستجدي عطف أولاده عليه ولا يشكو تقصيرهم في حقه.. وأدركت معنى ابتسامته
في أحدى الأمسيات امسكني من يدي متجها بي إلى ركن الدكان وطلب مني أن اصعد السلم وافتح الخزانة الكبيرة وآتي له بما فيها
فعلت.. وحملت لفافة ثقيلة كدت أن اسقط بها ووضعتها أمامه, فابتسم واخذ يفردها بعناية
كانت سجادة متوسطة الحجم رائعة الرسوم ناعمة الملمس ما رأيت مثلها في حياتي
جلس وهو ينظر إليها بإعجاب يشع من عينيه الصغيرتين قائلا: تعرف دي إيه؟ دي سجادة إيراني.. إيراني اصلي.. كنت زمان اشتريتها من واحد كان بيشتري بواقي قصور الباشاوات الكبار.. باشوات زمان والتراكوه.. اللي بعهالي ما كانش يعرف قيمتها, لكن أنا كنت عارف
وسكت لحظة ليلتقط أنفاسه ثم واصل: كان ممكن أبيعها بتمن ما احلمش بيه لكن أنا حبيتها.. وشعشعت في دماغي فشيلتها وحلفت إني ما أفرّط فيها مهما حصل.. وكل ما كنت أحب أشوفها آجي وافردها قدامي وأفضل أتفرج عليها
كان يتحدث بشغف وتدفق شديدين ثم نظر إليّ كي يقرأ انفعالي ويرى مدى تأثري وأكمل: أنا أول مرة اخلّي حد غيري يشوفها.. من يوم مااشترتها كنت بخاف حد يشوفها أو ممكن تقول باأغير.. باأغير حد يملى عينه منها غير عنيّا
يضحك.. زى الراجل اللي مايحبش حد يبص لأهل بيته.. وتغيرت نبرته وهو يقول: بس دي آخر مرة أشوفها فيها
وصمت.. فنظرت إليه مستفسرا فتابع: اصلي نويت أبيعها خلاص بس من غير ولا مليم ..و اندهشت.. فقال: ايوة ما تستغربش عارف مين هايشتريها مني؟
قلت: مين؟؟
قال: انت
أنا!؟؟.. هكذا رددت مذهولا.. أيوة انت اغلى عندي منها ومن أي حد تاني.. انت فعلا دفعتلي تمنها من وقتك وعطفك عليا.. وانت اكتر واحد يستاهلها وهي الشئ الوحيد الغالي اللي اقدر أرد بيه جمايلك
وسقطت عيناه علي الأرض..
ودون أن اشعر وجدتني احتضنه لأول مرة وأقبّل رأسه قلت: أنت ماتعرفش قيمتك عندي.. انت في مقام جدي وعمري ما هاقبل شيء قصاد حبي لك
رفع وجهه الطيب ونظر بابتسامه حلوة عطوف تزينها دمعة صغيرة وقال: خلاص يبقي دي هدية جدك ليك وإذا بتحبني يبقى اقبلها
*******
عدت إلي حجرتي احملها وفردتها أمامي مدققا في رسومها المتداخلة وألوانها التي تخطف البصر.. ذلك الأخضر الذي يذكرني بالحقول والأصفر كرمال الصحاري والأزرق كالبحور.. وتحركت رغبتي في اكتشاف تاريخ هذا النوع من السجاد وأمضيت الليل أمام شاشة الحاسب ابحث عن شبيهاتها حتى وجدتها وصفقت بيدي كالطفل جذلا وقمت فعلقتها على حائط غرفتي الكبير
في الصباح ذهبت إليه مملوءاً بالفخر لأروي له تاريخها, مررت بالدكان ورأيته جالسا كعادته علي كرسيه ويده مازالت تمسك بالإبرة والخيط تحيك نفس السجادة القديمة
ناديته: عم سليمان.. وأكملت: لو تعرف سجادتك دي طلعت حكاية دي لها تاريخ طويل عريض دي من سنة..... وتوقفت
ناديته بقلق: عم سليمان مالك انت نمت ولا إيه؟.. هززته فتطوح رأسه إلى الخلف وعلى وجهه ابتسامة ملؤها الارتياح
أمسكت يده المثلجة فتراخت.. وسقطت على الأرض ابكي وأناديه بفزع
أبكي الوجه الطيب والإبتسامة العطوف
أبكيه دموعا في قلبي تكاد تغرق روحي.. و أناديه ولا يجب ولن يجب أبدا
...
*******
والآن.. وكلما مررت من أمام دكانه أتذكره وهو يبتسم في رضا
وهو يبتسم في حزن
وأعود فأتذكر ابتسامته الأخيرة
أتذكره بجلبابه الرمادي في لون أسفلت الطريق وطاقيته الرمادية كغيوم السماء
وانظر إلى سجادته المعلقة على حائط حجرتي.. سجادة عم سليمان.. فأبتسم ودمعة تتجمع في عيني
*******
-سمـاء مضيئـة-
عــم سليمــان Greypixel
من طـارق فـاروق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وائل كفوري
مشرف المنتدى الفني
مشرف المنتدى الفني
وائل كفوري


ذكر عدد الرسائل : 418
العمر : 47
البلد : سورية
تاريخ التسجيل : 07/01/2008

عــم سليمــان Empty
مُساهمةموضوع: رد: عــم سليمــان   عــم سليمــان I_icon_minitimeالجمعة فبراير 15, 2008 9:36 am


رحم الله عم سليمان
بجد قصة مؤثرة وجميلة
مشكورة يا زهرتنا
دمت بود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زهرة فلسطين
مشرفه منتديات الاسره
مشرفه منتديات الاسره
زهرة فلسطين


ذكر عدد الرسائل : 344
العمر : 49
البلد : فلسطين
المزاج : فلسطين
تاريخ التسجيل : 30/12/2007

عــم سليمــان Empty
مُساهمةموضوع: رد: عــم سليمــان   عــم سليمــان I_icon_minitimeالإثنين فبراير 18, 2008 9:52 pm

شكرا على مرورك
و تعليقك اخي وائل
نورت موضوعي
واهلا بعودتك و لا تحرمنا
من وجودك معنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
وائل كفوري
مشرف المنتدى الفني
مشرف المنتدى الفني
وائل كفوري


ذكر عدد الرسائل : 418
العمر : 47
البلد : سورية
تاريخ التسجيل : 07/01/2008

عــم سليمــان Empty
مُساهمةموضوع: رد: عــم سليمــان   عــم سليمــان I_icon_minitimeالثلاثاء فبراير 19, 2008 8:17 am

الله لايحرمك من حبيب
كلك زوق يا زهرة
ومشكورة لأهتمامك
فعلا انت زهرة
دمت بود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يسار
مشرف منتدى الأدب والثقافه العامه
مشرف منتدى الأدب والثقافه العامه
يسار


ذكر عدد الرسائل : 361
العمر : 47
البلد : فلســـــــــــــــطين
العمل/الترفيه : نثر الحروف
تاريخ التسجيل : 03/01/2008

عــم سليمــان Empty
مُساهمةموضوع: رد: عــم سليمــان   عــم سليمــان I_icon_minitimeالأربعاء فبراير 20, 2008 2:20 am

هلا زهرة فلسطين......

يسلمو ايديكي على الموضوع القيم والجميل..

دمت بود
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
زهرة فلسطين
مشرفه منتديات الاسره
مشرفه منتديات الاسره
زهرة فلسطين


ذكر عدد الرسائل : 344
العمر : 49
البلد : فلسطين
المزاج : فلسطين
تاريخ التسجيل : 30/12/2007

عــم سليمــان Empty
مُساهمةموضوع: رد: عــم سليمــان   عــم سليمــان I_icon_minitimeالخميس فبراير 21, 2008 10:38 pm

هلا اخي يسار
شكرا على مرورك و تعليقك الجميل
نورت موضوعي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
عــم سليمــان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الملتقى الفلسطيني :: منتدى الأدب والثقافه العامه :: لغه الضاد-
انتقل الى: